السبت، 7 ديسمبر 2013

وادي السيليكون و رأس المال المخاطر – دروس و عبر (3)



كان أسلوب شوكلي – مخترع الترانزيستور – في الإدارة سيئا لدرجة أن الثمانية من شباب العلماء و المهندسين طلبوا من الإدارة الرئيسية أن يتم استبدال شوكلي بشخص آخر. و عندما رفض طلبهم رأوا أنه لا مفر من مغادرة المكان .... و اعتبر شوكلي أن مغادرتهم خيانة له. و تم تلقيبهم بالغادرون الثمانية.
لم يخطر ببال أحد مطلقا أن يتسبب هؤلاء الثمانية خلال عشرين عاما في إنشاء خمس و ستين شركة. في الجزء القادم نحكي قصة أول شركة في الوادي .. أما الآن فتعالوا نتعرف سويا على الغادرون الثمانية المؤسسين لوادي السيليكون...:

1) جاي لاست (Jay Last):
حصل على البكالوريوس في الضوئيات من جامعة روشيستر ثم الدكتوراة في الفيزياء من MIT. عمل في فيرشيلد مع زملائه السبعة عام 1957 كرئيس لقسم التطوير للدوائر المدمجة. و في عام 1961 غادر هو و اثنين من زملائه (جين و شيلدون) لتأسيس شركة منفصلة (Amelco Corporation) و عمل كرئيس للبحث و التطوير ثم تم شراء الشركة من شركة تيليداين (Teledyne Technologies) و عمل فيها لاست لثمانية أعوام أخرى. ثم حول لاست مجاله للفنون و الآثار و ألف العديد من الكتب في ذلك.

2) شيلدون روبرتس (Sheldon Roberts):
حصل على بكالوريوس هندسة التعدين من معهد رنسلير بوليتيكنيك ثم الماجستير و الدكتوراة من MIT و عمل في معمل أبحاث البحرية الأمريكية و في شركة داو للكيماويات (Dow Chemical). بعد عمله في فيرشايلد انضم لجاي لاست و جين هويرني في تأسيس (Amelco Corporation) ثم في أوائل السبعينيات صار رئيسا لشركة تايم لابس (Timelapse)

3) جين هويرني (Jean Hoerni):
ربما لا تسمع اسمه كثيرا لكنه الرجل الذي طور عملية (planar process) لتصنيع الوائر المدمجة. ولد في سويسرا و حصل على شهادتي دكتوراة: الأولى من جامعة كامبريدج و الأخرى من جامعة جينيف. ثم رحل للعمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا و انضم لمجموعة شوكلي بعدها. و في فيرشيلد مع زملائه السبعة قام جين بتطوير عملية التصنيع و التي سمحت للترانزيستور يأن يصنع من السيليكون لأول مرة بدلا من الجيرمانيوم. ثم رحل مع زميليه السابقين لعمل شركة أخرى. و في 1964 أسس Union Carbide Elecronics ثم Intersil

4) جوليس بلانك (Julius Blank):
بالرغم من أنه لم يحظى بحظ الآخرين من الشهرة إلا أن جوليس هو من وضع نموذجا لريادة الأعمال في القرن العشرين في وادي السيليكون حيث لا توجد ألقاب في العمل و العلاقات منفتحة داخل مكان العمل كما طبق ذلك في فيرشايلد. كما أنه أسس في فيرشايلد ورشة الآلات و التجميع ثم أنشأ واحدة أخرى في هونج كونج حين بدأت أعداد الطلبات تزيد. ثم ترك فيرشايلد في 1969 ليعمل كمستشارا. و شارك في تأسيس شركة Xicor في 1978 و التي تم بيعها لشركة إنتيرسيل في 2004 مقابل حوالي نصف بليون دولار.

5) فيكتور جرينيتش (Victor Grinich):
شارك في الحرب العالمية الثانية في البحرية الأمريكية ثم حصل على البكالوريوس من جامعة واشنطن و الماجستير و الدكتوراة من ستانفورد عام 1953. و كان فيكتور هو الوحيد المتخصص في الهندسة الكهربية (باقي الثمانية كانوا فيزيائيين و رياضيين و تعدين) و قام في فيرشايلد بتأسيس قسم معامل الاختبار و الأجهزة المسئولة عن توصيف ما يتم عمله من أجهزة دقيقة. و نما هذا القسم حتى صار كأنه شركة منفصلة. ثم ترك فيكتور الشركة عام 1968 ليعمل مدرسا في بيركلي و في نفس الوقت كان يقوم بدراسة علوم الحاسب . ثم انتقل بعدها ليعمل في جامعة ستانفورد و ألف كتابا في الدوائر المتكاملة. عام 1978 عين رئيس لأحد الشركات التي تعمل في التعرف عبر موجات الراديو. ثم في 1985 أسس شركة جديدة في نفس التخصص و أسس أخرى في 1993 قامت شركت سينوبسيس (Synopsys) الشهيرة بشرائها لاحقا.


6) يوجين كلاينر (Eugene Kleiner):
حصل على بكالوريوس الهندسة الميكانيكية من نيويورك ثم الماجستير في الهندسة الصناعية من جامعة نيويورك. يوجين هو من قاد مجموعة الثمانية ليحصلوا على الدعم المادي من شيرمان شايلد (كما سنذكر فيما بعد) و تولى المهام الإدارية لفيرشايلد. و في 1968 استثمر أمواله في إنتل التي أسسها نويس و موور. و في 1972 اشترك مع شخص آخر (توم بيركينز) في تأسيس شركة رأس مال مخاطر (venture capital firm) و سموها كلاينر بيركنز و هي من أكبر الشركات الاستثمارية في وادي السيليكون حيث دعمت كبرى الشركات العالمية مثل أمازون و AOL و جوجل و نيتسكيب و سان و تاندم و غيرهم.
يوجين لديه العديد من القوانين و الحكم في إدارة المواقف و الناس أنصح القارئ بالاطلاع عليها

لن أدخل في تفاصيل كثيرة هنا عن الاثنين الباقيين لأن في الأجزاء القادمة سنعرف قصة إنتل كاملة .... سنتعرف على كيف يندمج العلم مع الإبداع مع القيادة و فنون التسويق ليأسسوا كيانا عظيما ... و إليك مختصر بسيط عنهما

7) روبرت نويس (Robert Noyce):
يلقبه البعض بعمدة وادي السيليكون و هو المؤسس الأول لإنتل و معه جوردون موور. روبرت شخصية رائعة ذكية تعشق المغامرة و عمل الأشياء الجديدة. حصل على البكالوريوس في الفيزياء و الرياضيات ثم حصل على الدكتوراة في الفيزياء من MIT عام 1953. روبرت كان بمثابة العقل و الرؤية لشركة فيرشايلد حيث يقول شيرمان فيرشايلد "الممول" أنه عندما عرض روبرت رؤيته أعجب بها و كانت لها التأثيرعلى موافقته على تمويلهم.
ثم أسس إنتل و كان السبب الرئيسي لنجاحها على حد تعبير آرثر روك (انظر الجزء الأول) لأنه ذو رؤية و قدرة على التحفيز و القيادة.
طريقة روبرت مع العاملين معه كان لها أثر كبير على عدة شركات في وادي السيليكون حيث كان يتعامل بمنطق العائلة و إنكار الذات و عدم التكلف إضافة للتشجيع و المكافأة لهم.
لنا مع روبرت وقفات كثيرة ... فهو أكبر من أن نمر علي سيرته بهذه السرعة.

8) جوردون موور (Gordon Moore):
ربما يكون موور هو الأكثر شهرة بين الثمانية كما أن الكثيرين يعرفون قانون موور للدوائر المتكاملة. لنا معه أيضا وقفات كثيرة لكن ربما نذكر بعض التعريف البسيط عنه.
حصل على بكالويوس الكيمياء من بيركلي و الدكتوراة في الكيمياة من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا عام 1954. كما عمل بعض الأبحاث ما بعد الدكتوراة في معمل الفيزياء التطبيقية في جامعة جونزهوبكنز بميريلاند. أسس مع روبرت نويس شركة انتل و كان نائب الرئيس التنفيذي حتى 1975 ثم صار الرئيس في 1975 و في 1979 رأس مجلس الإدارة و كان المدير التنفيذي للشركة ثم صار منصبه فخريا بداية من 1997.
من أروع التبرعات التي تمت في التاريخ الحديث لمؤسسة علمية هي ما قام به موور و زوجته حيث تبرعا بمبلغ 600 مليون دولار لمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في 2001 ثم 200 مليون دولار في 2007 لعمل أكبر تليسكوب ضوئي في العالم.

تعرفنا للتو على ثمانية أشخاص و مؤهلاتهم و كفاحهم و قد أدى تفاهمهم كفريق و رحلتهم في التعاون إلى أول شركة ناجحة في وادي السيليكون: فيرشايلد سيميكوندكتورز Fairchild Semiconductors. و السؤال: هل هي مصادفة؟ أم كفاح مجموعة؟ أم بيئة شجعتهم؟

نجيب في المرات القادمة بإذن الله ... و لكن قبل ذلك أود أن ألفت انتباهكم:
تغيير المجال شئ طبيعي طالما قررت أنه بغض النظر عن موقعك فإنك ستعمل الشئ المناسب و بالشكل المناسب ... اتبع دائما عاطفتك للمجال و حبك للابتكار فيه ... حتما هناك بداية النجاح!


ابقوا معنا و اكتبوا تعليقاتكم على ما قرأتموه

الاثنين، 2 ديسمبر 2013

وادي السيليكون و رأس المال المخاطر – دروس و عبر (الجزء الثاني)



قررنا المرة الماضية أن نرجع بالزمن قليلا و تحديدا إلى حفل توزيع جائزة نوبل عام 1956 حيث توج ثلاثة علماء على اختراع غير وجه العالم لما تراه الآن. الثلاثة هم ويليام شوكلي - جون باردين - والتر براتين .. أما الاختراع فهو الترانزيستور الذي بني (من الناحية العلمية) بسببه وادي السيليكون و غيره أما من الناحية الابتكارية و التمويلية فهذا حديث آخر.

بدأ شوكلي حياته في أسرة تعمل في المناجم بكاليفورنيا. و تخرج من جامعة كالتك ثم حصل على الدكتوراة من MIT. و أثناء الحرب العالمية الثانية التحق بأبحاث الرادار في ولاية نيوجيرسي حيث التحق بذلك المركز البحثي العملاق "بيل لابز Bell Labs"  و أصبح مديرا بحثيا لمجموعة فيزياء الحالة الصلبة (Solid-State Physics). أرجو من القارئ أن يقرأ عن Bell labs لأن هذا المكان عمل و خرج منه عباقرة لأجيال متتالية. المهم .. كانت مهمة هذا الفريق البحث عن بديل لما يسمى الصمام المفرغ (Vacuum tube). عندما تتعمق أكثر فيما حدث في بيل لابز ستجد أن شوكلي أحيانا اعتمد على اختراعات سابقة و أحيانا كان يعتبر نفسه و بمفرده منافسا لبقية الفريق و كان أحيانا يبقي أسرار عمل بعيد عن الفريق حتى يتأكد من استحكامه منها. المهم أن أفكار تراكمية من شوكلي و فريقه أدت إلى الترانزيستور ثم كانت جائزة نوبل. و قام شوكلي بعدها بالعمل بمفرده و استبعد المخترعين الآخرين من استكمال العمل بالرغم من أنهم جزء منه. للأسف كان شوكلي مغرورا و يحب أن ينسب الفضل لنفسه.

في نفس العام الذي حصل فيه على جائزة نوبل تم تأسيس معمل شوكلي لأشباه الموصلات في كاليفورنيا. و حاول شوكلي إقناع بعض زملائه في الساحل الشرقي (ولاية نيوجيرسي) لكي ينتقلوا لكاليفورنيا للعمل معه لكن لم يقبل أحد الانتقال خصوصا أن الساحل الشرق للولايات المتحدة كان مركز الأبحاث التقنية العالية (على عكس الآن). لذلك قام شوكلي بعمل فريق من ثمانية باحثين و مهندسين حديثي الحصول على الدكتوراة.

بدأ شوكلي يعمل على فكرة أخرى على التوازي مع الترانزيستور (و هي الصمام الثنائي Diode) و صار مفعما بالفكرة لدرجة أنه اعتبرها في نفس أهمية اختراعه السابق و جعل عمله كله سرا بعيدا عن معمله. و الأدهى من ذلك أنه خشي أن يتم انتاج الترانزيستور فيفسد عليه اختراعه الجديد.

كل تلك الصفات كانت كفيلة بأن تجعل الثمانية باحثين يتضجروا و يتركوا شوكلي ليعمل بمفرده ... و لك أنت تعلم أنهم بعدها و خلال عشرين عاما كان هؤلاء الثمانية سببا في إنشاء خمس و ستين شركة ... كل ذلك بدأ من معمل شوكلي في كاليفورنيا.

يا ترى ما هي الدروس التي يمكننا أن نخرج منها هنا؟
1) إدارة بحث ربما تنجح بأسلوب الرجل الواحد "one man show" خاصة لو كان يعمل باجتهاد
2) إدارة الفريق و الشركات لا ينفع معه سوى التفاهم والقيادة المحبة الحكيمة التي يكون بالنسبة لها تطور الآخرين جزء من تطورها و تطور المنظومة فوق الجميع
3) أن تكون لاعبا محترفا في فريق شئ ممتع ربما لم يجربه شوكلي لكن بالتأكيد جربه الغادرون الثمانية

في المرة القادمة نلتقي سويا بالغادرون الثمانية ... نتعرف على مؤهلاتهم و كفاحهم و تفاهمهم كفريق و رحلة تعاون و تمويل أدت إلى أول شركة ناجحة في وادي السيليكون: فيرشايلد سيميكوندكتورز Fairchild Semiconductors

قبل أن نترك شوكلي و أودعكم في هذا الجزء... أريدكم أن تعرفوا أن شوكلي أصبح بعد أن غدر به الثمانية بروفيسورا في جامعة ستانفورد العريقة. و قبل وفاته كان قد انفصل عن عائلته و أصدقائه باستثناء زوجته. حتى أولاده لم يعلموا بوفاته إلا عن طريق الصحف.

شوكلي كان عالما قديرا و عبقريا لكنه لم يكن صديق عمل أو شخص محبوب ... و بالرغم من هذا نجح و غير العالم ببداية هذا الاختراع ... و لأن أهل العلم يحبون العلم لذاته فقد اجتمع 30 من زملائه في ستانفورد عام 2002 يذكرون دوره الرائع في اختراع الترانزيستور و أثرة في بناء الوادي ... وادي الرمال .. أقصد السيليكون J

آخر درس هنا ... أن نحب أهل العلم لعلمهم و ليس تعصبا لانتمائاتهم السياسية أو الفكرية أو الدينية ... شئ ربما نعاني منه اليوم و نحصد آفاته غدا ... فعلينا بالتوعية!


أترككم هنا و في انتظار آرائكم و تعليقاتكم ... في أمان الله

الأحد، 1 ديسمبر 2013

وادي السيليكون و رأس المال المخاطر – دروس و عبر (الجزء الأول)


تبدأ القصة بمجموعة من الشباب - لم يكونوا بالضرورة يدركون ما يفعلون – الذي يبحث عن فرصة لم توجد بعد و هي أنهم قد يمولوا شركات مبتكرة .. و هؤلاء الشباب الذي يعدون على أصابع اليد الواحدة بدءوا ثورة رهيبة لأنهم وجدوا الفرصة فيما اعتقده الآخرون مخاطرة ... و لكن لنتحدث اليوم عن أحد أبطال القصة ... و رائد مجال "رأس المال المخاطر" .... آرثر روك



ولد آرثر عام 1926 لأب من أصل روسي و أم أمريكية و كان يعمل والده في محل لبيع الحلوى و نشأ في تلك الأسرة التي تعتبر حينها دون المتوسطة. ثم تخرج من إحدى جامعات نيويورك و عمل كمحاسبا لمدة عام ثم حصل على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة هارفارد 1951 و عمل في إحدى شركات الأوراق المالية في نيويورك حيث كان تركيزه على جمع التمويل لشركات التكنولوجيا الصغيرة. و في عام 1957 وصلته تلك الرسالة من "الغادرون الثمانية" يطلبون منه المساعدة.

و قبل أن أذكر لكم أسماء هؤلاء و نستغرق في قصتهم و كيف وصلوا لآرثر دعوني أركز الآن على فائدتين يجب على كل منا الاهتمام بهما:
1) العلاقات بالناس.
2) التعليم

ربما يكون التعليم الجيد واضحا في سيرة آرثر و كذلك كما سنرى في سيرة شوكلي و مساعديه الثمانية (أو الغادرون الثمانية كما يلقبهم التاريخ) لكن أيضا علاقات الناس بك و علاقتك بهم ستكتشف من هذه القصة وغيرها كم هي مفيدة و قد تكون سببا في التأثير على مستقبلك و مستقبل الآخرين.

اصنع علاقات متينة و حاول أن تتعلم بشكل جيد و فعال ... و الحمد لله الآن التعليم الإلكتروني و البحث على الإنترنت سهل العديد و الكثير من الأشياء.
ربما جزءا بعد جزء تتضح الصورة ... و قبل أن أترككم هنا أريدكم أن تعرفوا أن آرثر الذي ولد لأسرة دون المتوسطة تبرع في 2003 لجامعة هارفارد بخمس و عشرين مليون دولارا ليؤسسوا في الجامعة "مركز آرثر روك لريادة الأعمال"

ألقاكم في الجزء الثاني بمشيئة الله حيث أعود بالزمن إلى الوراء قليلا حيث ويليام شوكلي مخترع الترانزيستور و الحاصل على نوبل عام 1956 هو و زميليه جون باردين و والتر براتين ... و سنتعرف على الفرق بين أن تقود معملا بحثيا و بين أن تقود شركة ...
ننتظر تعليقاتكم (هل تعرف من هم الغادرون الثمانية) و أفكاركم .. فابقوا معنا J


©  جميع الحقوق محفوظة لصاحب المدونة – و يجوز الاقتباس و استخدام المعلومات و لا يجوز بيعها أو استخدامها لأغراض تجارية