جئتكم من عام 2020 لأبشركم بأن مجهوداتكم منذ عام 2011 قد آتت أكلها لأنكم عملتم ما بوسعكم بدون مقابل و لم تنتظروا حصاد النتائج و لم يفكر كل منا في نفسه و إنما في المجموع.
منذ تسعة أعوام (2011) عندما بدأنا نعمل في منظمات غير ربحية كانت الفكرة جديدة على معظم أبناء الشعب و كان الاعتقاد آنذاك أن الحكومة و القطاع الخاص عليهم تحمل أعباء كل شئ!!. أما الآن في 2020 فالوضع مختلف، فقد أصبحنا أكثر معرفة و تقديرا لدور المؤسسات غير الربحية و التي تقوم على
جهد المتطوعين. أصبحنا على يقين تام بأن هذه المؤسسات هي عصب و مركز المجتمع المصري بل هي من أهم ما يميزه.
كلنا يعرف الآن أن قدرة الحكومة في تنفيذ المهام المجتمعية محدودة. و الآن و قد أصبح بين كل شخصين في مصر شخص يتطوع
بثلاث ساعات أسبوعيا صارت المؤسسات غير الربحية هي أكبر "صاحب عمل" في مصر. هذه المؤسسات صارت تقوم بكل الالتزامات المصرية المتعلقة بالمسئولية المجتمعية للمواطنين. و مع أن قطاع المؤسسات غير الربحية يعادل 2-3%* من إجمالي الناتج القومي إلا أن كلنا يعلم مدى حيويتها و مركزيتها بالنسبة لجودة المعيشة في مصر, للوطنية, و للمجتمع المصري و تقاليده.
منذ تسعة أعوام لم يكن أحد يتحدث عن المؤسسات غير الربحية كما هو الحال اليوم في 2020. و لكننا الآن نعرف مميزاتها و ما تختلف فيه عن الحكومة أو القطاع الخاص. القطاع الخاص أو قطاع الأعمال يقدم منتجات أو خدمات و الحكومة تتحكم في ذلك. القطاع الخاص ينهي مهمته عندما يشتري العميل السلعة, يدفع ثمنها, و يرضى بها. و الحكومة تنهي مهمتها عندما يتم تنفيذ سياساتها. أما القطاع غير الربحي فهو لا يبيع سلعة أو خدمة و لا يتحكم في سياسات. منتجات هذا القطاع لا هي زوج من الأحذية و لا هي قواعد و قوانين تتبع, و إنما منتجها هو
إنسان قوي متغير و متطور. المراكز غير الربحية محورها المميز هو تغيير الإنسان. و هذا المنتج "الإنسان" قد يكون مريض يعالج, أو طفل يتعلم, أو شاب أو شابة يتربون بشكل محترم, أو إنسان متغير و متطور في كل النواحي.
كان الموضوع جديدا على الشعب منذ تسعة أعوام و بالتالي كانت تحدياته في
جلب المتطوعين و كيفية تدريبهم و إدارة المنظمات التي وقع معظمها ضحية عدم التزام أصحابها بعد فتور حماسهم. أما الآن في 2020 فالكثيرون متحمسون و لكن لازال هناك تحديات للقطاع غير الربحي من نوع آخر, و لذلك أعود إليكم من 2020 إلى 2012 لعلنا يمكننا تداركها:
التحدي الأول: هو تحويل المتبرعين إلى مشاركين حقيقيين. فبالرغم من أن القطاع غير الربحي يجمع أضعاف ما كان يجمع منذ تسعة أعوام إلا أنه لا يزال يمثل نفس النسبة من إجمالي الناتج القومي (2-3%) و هذا يعد فشلا ذريعا و مأساة قومية. فهل يعقل أن الشباب المتعلم الآن يعطي بمقدار أقل أو معادل لآبائهم الفقراء في الوضع الاقتصادي الضعيف آنذاك؟ لذلك السبب علينا أن نبدأ في تحويل المتبرعين إلى مشاركين منذ هذه اللحظة. و هذا لا يأتي إلا بحملات قوية للتوعية حتى ينظر المواطن في مرآته صباحا فيجد إحساسا بالمسئولية تجاه مجتمعه و وطنه و جيرانه. فهل ستشاركون في التوعية؟
التحدي الثاني: أن نعطي المجتمع غرضا مشتركا. لابد أن نشعر الناس بأنهم جزء من مجتمع. و أن مشاركتهم في غرض ينهض بالمجتمع هو أمر محوري غاية في الأهمية و قد تبرز من خلاله طاقات بشرية خلاقة و مبدعة في خدمة المجتمع بدون مقابل. مقابلهم الوحيد قد يكون الشعور بأن مشاركتهم لها معنى و فائدة تعم على المجتمع الذي نتمحور جميعا حوله.
أستطيع أن أقول لكم من 2020 أن القطاع غير الربحي هو المجتمع المصري. هذا القطاع يزيد دوره عاما بعد عام و يزيد من قدرة أفراد المجتمع على العطاء و الإنتاج و الإنجاز. و ذلك تحديدا لأن المتطوعين لا يستمتعون من خلال مرتب في نهاية الشهر و إنما ما يمتعهم حقا هو ما يشاركون به تجاه مجتمعهم. فهل أنت تحديدا تشعر من الآن بالمتعة عندما تخدم غيرك و تطور مجتمعك؟
التحدي الثالث: إدارة المنظمات غير الربحية و التعامل الخاص مع المتطوعين خصوصا و أنهم يعملون دون مقابل. و في هذا الباب تحديدا يتسع الكلام و لكني سأعود لكم بإذن الله بنصائح أخرى لإدارة المنظمات غير الربحية مما تعلمته من الكتب و التجارب و خبرات الآخرين.
إذا حاولنا تدارك هذه التحديات فسنكون أفضل حالا و أكثر تقدما في كل النواحي و ربما أعود إليكم مجددا من 2020 لأخبركم بتحديات أخرى. أما الآن فواجبنا جميعا
التطوع و لو 3 ساعات أسبوعيا و أن
نوعي أهلنا و جيراننا و أصدقائنا و أن يكن لدينا
إحساسا بالمسئولية الحقيقية تجاه أوطاننا و أن نطلع على تجارب من سبقونا في التطوع و نستفيد من خبراتهم و إدارتهم.
أقدم لكم في مدونتي أيضا ملخصا
لإدارة المنظمات غير الربحية, كما أقارن ما ينجزه المتطوعين في
كندا مقارنة بمصر....فأرجو أن تستمتعوا بالقراءة و تنشروها و تعملوا بها و تغيروا على أوطانكم.
و تقبل الله منا و منكم.
و كتبه
خالد الأشموني
6 نوفمبر ٢٠١٢ / 21 ذو الحجة ١٤٣٣
*نسبة تخيلية بناءا على الولايات المتحدة
* المقال ملهم من مقدمة كتاب بيتر دروكر عن إدارة المنظمات غير الربحية
© جميع الحقوق محفوظة لصاحب المدونة – و يجوز الاقتباس و استخدام المعلومات و لا يجوز بيعها أو استخدامها لأغراض تجارية