قررنا المرة
الماضية أن نرجع بالزمن قليلا و تحديدا إلى حفل توزيع جائزة نوبل عام 1956 حيث توج
ثلاثة علماء على اختراع غير وجه العالم لما تراه الآن. الثلاثة هم ويليام شوكلي - جون
باردين - والتر براتين .. أما الاختراع فهو الترانزيستور الذي بني (من الناحية
العلمية) بسببه وادي السيليكون و غيره أما من الناحية الابتكارية و التمويلية فهذا
حديث آخر.
بدأ شوكلي
حياته في أسرة تعمل في المناجم بكاليفورنيا. و تخرج من جامعة كالتك ثم حصل على
الدكتوراة من MIT. و أثناء الحرب العالمية الثانية التحق بأبحاث الرادار في ولاية
نيوجيرسي حيث التحق بذلك المركز البحثي العملاق "بيل لابز Bell Labs" و أصبح مديرا بحثيا
لمجموعة فيزياء الحالة الصلبة (Solid-State
Physics). أرجو من القارئ أن
يقرأ عن Bell labs لأن هذا المكان عمل و خرج منه
عباقرة لأجيال متتالية. المهم .. كانت مهمة هذا الفريق البحث عن بديل لما يسمى
الصمام المفرغ (Vacuum tube). عندما تتعمق أكثر فيما حدث في
بيل لابز ستجد أن شوكلي أحيانا اعتمد على اختراعات سابقة و أحيانا كان يعتبر نفسه
و بمفرده منافسا لبقية الفريق و كان أحيانا يبقي أسرار عمل بعيد عن الفريق حتى
يتأكد من استحكامه منها. المهم أن أفكار تراكمية من شوكلي و فريقه أدت إلى
الترانزيستور ثم كانت جائزة نوبل. و قام شوكلي بعدها بالعمل بمفرده و استبعد المخترعين
الآخرين من استكمال العمل بالرغم من أنهم جزء منه. للأسف كان شوكلي مغرورا و يحب
أن ينسب الفضل لنفسه.
في نفس العام
الذي حصل فيه على جائزة نوبل تم تأسيس معمل شوكلي لأشباه الموصلات في كاليفورنيا.
و حاول شوكلي إقناع بعض زملائه في الساحل الشرقي (ولاية نيوجيرسي) لكي ينتقلوا
لكاليفورنيا للعمل معه لكن لم يقبل أحد الانتقال خصوصا أن الساحل الشرق للولايات
المتحدة كان مركز الأبحاث التقنية العالية (على عكس الآن). لذلك قام شوكلي بعمل
فريق من ثمانية باحثين و مهندسين حديثي الحصول على الدكتوراة.
بدأ شوكلي
يعمل على فكرة أخرى على التوازي مع الترانزيستور (و هي الصمام الثنائي Diode) و صار مفعما بالفكرة لدرجة أنه اعتبرها في نفس أهمية اختراعه
السابق و جعل عمله كله سرا بعيدا عن معمله. و الأدهى من ذلك أنه خشي أن يتم انتاج
الترانزيستور فيفسد عليه اختراعه الجديد.
كل تلك الصفات
كانت كفيلة بأن تجعل الثمانية باحثين يتضجروا و يتركوا شوكلي ليعمل بمفرده ... و لك
أنت تعلم أنهم بعدها و خلال عشرين عاما كان هؤلاء الثمانية سببا في إنشاء خمس و
ستين شركة ... كل ذلك بدأ من معمل شوكلي في كاليفورنيا.
يا ترى ما هي
الدروس التي يمكننا أن نخرج منها هنا؟
1) إدارة بحث
ربما تنجح بأسلوب الرجل الواحد "one man
show" خاصة لو كان
يعمل باجتهاد
2) إدارة
الفريق و الشركات لا ينفع معه سوى التفاهم والقيادة المحبة الحكيمة التي يكون
بالنسبة لها تطور الآخرين جزء من تطورها و تطور المنظومة فوق الجميع
3) أن تكون
لاعبا محترفا في فريق شئ ممتع ربما لم يجربه شوكلي لكن بالتأكيد جربه الغادرون
الثمانية
في المرة القادمة نلتقي سويا بالغادرون الثمانية ... نتعرف على مؤهلاتهم و كفاحهم و تفاهمهم كفريق و رحلة تعاون و تمويل أدت إلى أول شركة ناجحة في وادي السيليكون: فيرشايلد سيميكوندكتورز Fairchild Semiconductors
قبل أن نترك
شوكلي و أودعكم في هذا الجزء... أريدكم أن تعرفوا أن شوكلي أصبح بعد أن غدر به
الثمانية بروفيسورا في جامعة ستانفورد العريقة. و قبل وفاته كان قد انفصل عن عائلته
و أصدقائه باستثناء زوجته. حتى أولاده لم يعلموا بوفاته إلا عن طريق الصحف.
شوكلي كان
عالما قديرا و عبقريا لكنه لم يكن صديق عمل أو شخص محبوب ... و بالرغم من هذا نجح
و غير العالم ببداية هذا الاختراع ... و لأن أهل العلم يحبون العلم لذاته فقد
اجتمع 30 من زملائه في ستانفورد عام 2002 يذكرون دوره الرائع في اختراع
الترانزيستور و أثرة في بناء الوادي ... وادي الرمال .. أقصد السيليكون J
آخر درس هنا
... أن نحب أهل العلم لعلمهم و ليس تعصبا لانتمائاتهم السياسية أو الفكرية أو الدينية
... شئ ربما نعاني منه اليوم و نحصد آفاته غدا ... فعلينا بالتوعية!
أترككم هنا و
في انتظار آرائكم و تعليقاتكم ... في أمان الله
اتمنى انه يكون فيه تفاصيل اكتر عن العلماء وتفاصيل القصه كامله مع وادى السيلكون لحد ما بدأ يكبر :)
ردحذف